رواية يوتوبيا للدكتور أحمد خالد توفيق
رواية يوتوبيا يجب التوقف عندها كثيرًا، ليس فقط لروعتها ولكن للملكة الإبداعية الاستثنائية لكاتبها الدكتور أحمد خالد توفيق.
رواية يوتوبيا ؛ هي رواية ديستوبيا خيالية تتحدث عن مصر سنة 2023 .
حيث انقسم المجتمع إلى طبقتين ، و اضمحلت الطبقة الوسى تمامًا .
الحبكة والفكرة العامة لرواية يوتوبيا
على طريقة هربرت جورج ويلز في روايته المشهورة (آلة الزمن) ينطلق بنا أحمد خالد توفيق إلى المستقبل ليصف الوضع الذي ستصبح عليه مصر بعد أقل من 50 عامًا. تحليله للأحداث اقتصادي قائم على اختفاء الطبقة البرجوازية (الطبقة الوسطى) بشكل كامل، وازدياد جشع الرأسمالية بشكل غير مسبوق ليزداد الغني غنى، والفقير فقرًا، ولكن بشكل ثوري.
إذ يحدث اختلال في المعيشة يؤدي إلى اختفاء الأنظمة الحاكمة وانقسام الشعب المصري إلى فئتين منفصلتين.
الفئة الأولى هي فئة الصفوة، وأبناء وأحفاد الصفوة. وهي الفئة التي تملك كل الموارد التي تكفل لها حياة الملوك، وهي تُمثل عمالقة الرأسماليين الذين زاد ثراؤهم بشكل فاحش، وهؤلاء تم تجميعهم في مدينة منفصلة في الساحل الشمالي تُسمى (يوتوبيا). وسُميت المدينة يوتوبيا لكم الرفاهية المتواجد بها، حيث كل المتع وسُبل الراحة متاحة، ولا يعمل أهلها – من الجيل الجديد من الشباب – في أي وظيفة إلا التمتع بكل ما منحته لهم الحياة بدون تعب. ويتم حمايتهم بقوات حماية أجنبية معظمهم من قوات المارينز المتقاعدة.
الفئة الثانية وهي الفئة المطحونة من الشعب، التي تمثل أبناء وأحفاد موظفي الحكومة ومحدودي الدخل الذين لم يتمكنوا من الاستمرار في حياة تنهشها الرأسمالية بمبادئها الجافة. يُسمون “الأغيار” ويتواجد الكثير منهم في يوتوبيا لغرض خدمة السادة، ويتم التعامل معهم على أنهم لا شيء، فعرضهم ودمهم مستباح، ولا يوجد قانون واحد يحميهم، ولا يتم الاعتناء بهم أو رعايتهم بأي سبيل من السبل اللهم إلا إعطائهم بعض القروش التي تدفعهم إلى الاستمرار في خدمة سادة يوتوبيا.
ملخص رواية يوتوبيا
يعشق الدكتور أحمد خالد توفيق أسلوب الراوي المتحدث بلسانه وبرؤيته عما يجري حوله من أحداث. فتبدأ أحداث الرواية بالتوازي بين شخصيتين:
الشخصية الأولى:
لشاب من مدينة يوتوبيا ولم يذكر الدكتور توفيق اسمه، ولكن ذكر مجتمعه بالتفصيل، وعبّر عن نقطة تجاهل الاسم بجملة فريدة فقال:
“من أنا؟ .. دعنا من الأسماء .. وما قيمة الأسماء عندما لا تختلف عن أي واحد آخر؟”
تعريفيًا هو ابن رجل أعمال شديد الثراء اسمه مراد، وأمه تُدعى لارين.
تبدأ أحداث الرواية على لسان الراوي بوصف حياة بالغة الثراء، شديدة الرفاهية، شديدة السفه، واستخدم معها كل ما يرتبط بعلو الشأن والمكانة من صيغ مبالغة.
في يوتوبيا تستطيع عمل أي شيء وكل شيء تحلم به. تأكل أطايب الطعام، تتنزه في أرقى الأماكن، تشتري كل ما ترغب فيه ليس لحاجة ولكن لمجرد رغبة التملك والقدرة على شراء هذا الشيء ليس إلا، تضاجع من تحلو لك من الفتيات من سكان يوتوبيا، فلا رقيب عليك من أهلك، ولا رقيب عليها من أهلها.
المخدرات يتم تداولها في يوتوبيا كما يتم تداول السجائر في المجتمعات الحالية، فترى الماريجوانا وLSD، والإكستازي شديدي التداول. أما أشهرها فهو مخدر يُسمى الفلوجستين، يفعل الأعاجيب بعقل من يضع قطرة منه على جلده.
وكنتيجة طبيعية لإباحة كل شيء، فقد انتقلت النفس بتلقائية نحو الممارسات الشاذة من الأفعال، في الشكل والتصرفات، فلا عجب إذا وجدت سكان يوتوبيا الأصحاء الأشداء شديدي الوسامة يضاجعون الخادمات الأفريقيات العجفاوات. بل يتطور مستوى الفُجر ببعضهم ليبدأ في مضاجعة الأموات.
وكنتيجة طبيعية لحياة كل شيء فيها مباح، فقد تحولت هذه الحياة أيضًا إلى حياة .. شديدة الملل.
الملل هو العنصر الذي بُنيت عليه أحداث الرواية، ففي ظل هذه الأجواء المريحة، لا يوجد شيء مثير أكثر من …… القيام بعملية صيد.
مصطلح “عملية صيد” يُشار إليه في الكتاب بأحط ممارسة أخلاقية تُحاك ضد أي إنسان. فهي تشير إلى قيام بعض الشباب بمغامرة في أرض “الأغيار” لقتل أحدهم، والعودة بقطعة من جسده كتذكار يتباهي به الصياد بين أقرانه كأحد الفرسان الذي استطاع اقتحام أرض العدو والعودة منها سالمًا، بل ومعه تذكار يُثبت نجاح مغامرته.
كان نتيجة لهذا التباهي تنامي رغبة الصيد في قلب بطل الرواية، فيحث إحدى صديقاته المقربات – جرمينال – على بدء مغامرة في أرض الأغيار فتقتنع من باب الإثارة، وتبدأ المغامرة.
الشخصية الثانية:
تُمثل جابر الأعرج الذي فقد عينه في مشاجرة فاجتمع لديه العرج والعور ليصبح شكله مألوفًا لمواطن يحيا في بقايا مجتمع.
المقدمة التي يتحدث فيها جابر عن نفسه ومجتمعه – بأسلوب الراوي كما هي العادة – تثير الشجن إلى أقصى حد. فبينما يصف جابر القاع الذي وصل إليه المجتمع في تلك المرحلة التخيلية، فهو فعليًا يصف حال الكثير من الشباب الذين ينهش الفقر في أحشائهم وأجسامهم بلا بارقة أمل في تغير الأوضاع – ولو بشكل طفيف – للأحسن.
يصف جابر حياته بجمل متفرقة ترى فيها كم المعاناة الذي يحياه الفرد من الأغيار، بشكل وصل إلى أن العثور على كلب ضال يعتبر وجبة شديدة الثراء لمجتمع فقد مباديء الآدمية وحقوق الإنسان.
جابر يعاني من مشكلة عويصة للغاية، وهو أنه لا يستطيع أن … يحلم. الواقع الكابوسي قتل أحاسيسه ومشاعره، فصار يتحرك بعشوائية كالحيوانات الضالة يجاهد بغريزته فقط كيا يحيا يومًا إضافيًا يتناول فيه بقايا جلد دجاجة، أو يدخن فيه سيجارة حشيش، أو تقع يده على جرعة من كنز الفلوك – اختصار الفلوجستين عند الأغيار – فينتقل بتأثيره الانتشائي من أرض الأغيار إلى أرض الأحلام.
يلتقي البطلان بعد محاولة المواطن اليوتوبي – بطل القصة والراوي الأول فيها – الاعتداء على فتاة ليل من الأغيار، وقبل الاتصال بقوات المارينز يهجم عليهما جمع من الأغيار، وتكاد مذبحة أن تقع، ولكن يتدخل جابر لإنقاذهم، واتقاء شر هذا الجمع الغفير عن طريق إغرائهم بجرعة من الفلوجستين كانت بحوزة الغريبين.
تستطيع أن نقول أن القصة الحقيقية تبدأ هنا، فمنذ هذه اللحظة تتجلى عبقرية وإبداع الدكتور أحمد خالد توفيق في تفسير العلاقة المعقدة التي تقع بين الطرفين وكيف ينظر كل منهما إلى الآخر. وقد حرص الكاتب على صنع توازن في العقلية الثقافية بين البطلين، فكلاهما مثقف وواسع الإطلاع ويقرأ بنهم، أي أن القدرات العقلية تكاد تكون متماثلة.
بداية من هذا الجزء يعمد جابر إلى إبقاءهم أطول فترة ممكنة في عالم الأغيار، لكي يرى أبناء الكبار كيف تحيا بقايا الطبقة الكادحة من الشعب المصري، بينما الطرف الآخر مُنَعّم لا يدري شيئًا عنها.
فيصطحبه إلى منزله، ويشرح له طبيعة الحياة، ويعثر له على عمل، ويتلكأ في تهريبهم على الرغم من سهولة هذه العملية على جابر.
من الناحية الأخرى يزداد اشمئزاز واحتقار المواطن اليوتوبي على جابر وما يصنعه معهم وبهم، وإن تظاهر بالعكس حتى ينال مبتغاه.
رأيي في رواية يوتوبيا للدكتور أحمد خالد توفيق
القصة تحوي الكثير من المشاهد التي يمكنك استنباط آلاف المعاني منها، والوقوف على كل مشهد منها لقول الكثير والكثير عنه، وتفسيره بأكثر من معنى. هذه الرواية لا تكفيها مرة واحدة للقراءة، بل أنت في حاجة إلى العودة إلى قراءتها كل فترة، وخاصة بعد كل تغير مجتمعي يحدث حولك.
القصة سيفهم معناها جيدًا من أمكنه التجول في عالم الفقراء شديدي الفقر، والأثرياء فاحشي الثراء، وسيشعر بقرب شديد من حدوث هذه الكارثة.
أما الكاتب العبقري، فقد انتزع مشاهد من الحياة الواقعية من مصادر موثوقة، وقام بلصقها في صفحات الرواية في مواضع مختار بعناية، وكأنه ينزعك من إثارة الأحداث الوهمية المتسارعة، ليلقي بك في إثارة حقيقية مرعبة، تشير إلى الوضع الحقيقي الذي نحياه، والمصير الكارثي الذي ينتظرنا.
وإذا كانت رواية آلة الزمن لهربرت جورج ويلز تشير إلى افتراس الطبقة الكادحة للطبقة الغنية، فإن نهاية رواية يوتوبيا لا تبتعد كثيرًا عن هذا المشهد.
بالمناسبة، رواية يوتوبيا هي إحدى روايات الجلسة الواحدة .. أي أن كل من قرأها أجمع أنه أمسكها في يده، فلم يتركها حتى انتهى من آخر صفحة فيها.
اقتباسات من الرواية:
“صدقني يا بني .. لا شيء في هذه الكتب يهم ..
أنا أقتنيها لأنها تجعل من المكتب أنيقًا ،
لكن الحياة هي المعلم الوحيد لك“
“عندما تخترق آخر حدود التعقل تشعر بأن التعقل يتمدد ليضم نفسه حدودًا أخرى يسيطير عليها الاعتياد و الملل و الرتابة …“
“لم يعد في هذا العالم إلا الفقر و إلا الوجوه الشاحبة التي تطل منها عيون جاحظة جوعى متوحشة…
منذ ثلاثين عامًا كان هؤلاء ينالون بعض الحقوق أما اليوم فهم منسيون تمامًا …
حتى الكهرباء و الماء مشكلة فردية لكل منهم ..
من استطاع أن يحصل على مولد أو يحفر بئرًا فيها ..
و إلا عليه أن يتحمل“
“الدليل الوحيد الذي يخبرني أنني ما زلت آدميًا و لم أتحول إلى ضبع . أنني في هذا أتفوق على أهلي و جيراني ..أتفوق على ما كنته أمس
لا أريد دمًا .. لا أريد قتلى“
“مجتمع بلا طبقة وسطى هو مجتمع مؤهل للانفجار
و هذا هو ما حدث بالضبط ،لكن الانفجار لم يقض على الطبقة الثرية .. لقد نسف ما تبقى من الطبقة الوسطى ، و تحول المجتمع إلى قطبين و شعبين“
“ليس فقركم ذنبنا!
ألا تفهمين بعد أنكم تدفعون ثمن حماقتكم و غبائكم و خنوعكم؟
عندما كان أباؤنا يقتنصون الفرص كان أباؤكم يقفون أمام طوابير الرواتب في المصالح الحكومية ، ثم لم تعد هناك مصالح حكومية.
لم تعد هناك رواتب.
أنتم لم تفهموا اللعبة مبكرا لهذا هويتم من أعلى إلى حيث لا يوجد قاع. ما ذنبنا نحن؟
عندما هب الجميع ثائرين في كل قطر في الأرض هززتم أنتم رؤوسكم و تذرعتم بالإيمان و الرضا بما قسم لكم.
تدينكم زائف تبررون به ضعفكم
قال لي سالم بيه: “أنت تقرأ كثيرا..أنت مجنون!..
قلت له إن القراءة بالنسبة لي نوع رخيص من المخدرات.
لا أفعل بها شيئاً سوى الغياب عن الوعي. في الماضي -تصور هذا- كانوا يقرءون من أجل إكتساب الوعي
نعم.. لم يكن للمصريين مايباع سوى الماضى.. وقد اشتريناه
ليست الثقافة دينا يوحد بين القلوب ويؤلفها,
بل هى على الأرجح تفرقها؛ لأنها تطلع المظلومين على هول الظلم الذى يعانونه,
وتطلع المحظوظين على ما يمكن أن يفقدوه“
لا يتحمل الحياة بلا أحلام ..
منذ طفولتي لم أجرب العيش بلا أحلام..
أن تنتظر شيئًا .. أن تُحرم من شيء ..
أن تغلق عينيك ليلًا وأنت تأمل في شيء .. أن تتلقى وعدًا بشيء“