فكرة عامة حول الرواية .. ;)
إحدى أشهر الروايات عالميًا و المترجمة إلى 40 لغة و الحائزة ع جائزة نوبل
غريب يروي قصته التي تبدأ بغربته عن بلده وثم بموت أمه
“اليوم ماتت أمي، أو ربما ماتت بالأمس.. لست أدري”
______________
المؤلف : ألبير كامو ، فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي-جزائري
التصنيف الموضوعي : فلسفة العبث
تاريخ النشر : 1942
متوسط عدد صفحات الكتاب : 185
متوسط عدد ساعات قراءة : 4 ساعات
متوسط سعر الكتاب ورقي : أصلي 60 ج ، تقليد : 10 جنيه
ملاحظة ، يوجد نسخ pdf مجانا ، متاح ع شبكة البحث ( جوجل )
التقييم الشخصي : 4.8 من 5
________________
- ملخص الرواية .. ;)
- وفاة أمه ..
في مكان ما من سواحل الجزائر العاصمة، في زمان ما بأوائل سنوات القرن الماضي.. رجلٌ اسمه “مارسو” وسأطلق عليه نفس اللقب الذي أطلقه على نفسه..
“الغريب”.. هذا الرجل الذي يشبه الكثيرين
غير مكترث ولا مبال ولا مهتم.. هذه الصفات الأولى الذي تتلقفها عنه فور مقابلته..
ثيابه توحي بأنه شخص متعب، لكنه مع ذلك يجهد في أن يكون مرتباً.. وغالباً لا ينجح، ظاهره يكسوه الشقاء الذي تبدد تحت عينيه، وفي شعره على صغر سنّه، إضافة إلى لحيته التي أطلقها لأن لا يرغب في حلاقتها كل يوم.. يكتفي بتشذيبها كل عشرة أيام..
توفيت والدته التي ترقد في مأوى العجزة منذ سنوات، وتبعد عنه مسير يوم كامل في الحافلة..
تلقّاه خبراً مثل أي خبر يطالعه على قناة تلفزيونية، ربما هول الصدمة أثر على مجاري دموعه فكواها بدل أن يفجرها..
غصّت روحه وقرّر أن يبكيها بدموع كبيرة فور وصوله لجثمانها، وسافر إلى مأوى البؤس ذاك حيث كانت تعيش والدته التي أُرغمت على اللجوء إليه بعد أن اصطكت الحياة بجيوب “الغريب” فلم يعد يستطيع تحمل نفقات الدواء والطعام، وعمله المضني يجبره على الابتعاد عنها أياماً متتالية لذا كان قراره أن تسكن هذا الملجأ، بعد أن أخذ موافقتها.
لحظة وصوله إلى بيت العجزة، سرعان ما انتابته مشاعر غريبة، أحاسيس جلد الذات، والعتاب واللوم لنفسه القاسية، والتلذذ بتعليق دموعه بين جفنيه، لا هي تعود وتغيض، ولا هو يحررها ويتركها تفيض..
أقفل عينيه، ومنعهما من البكاء، كما منعهما من مشاهدة جثمان والدته للمرة الأخيرة!
رفض إلقاء نظرة الوداع على الجسم المسجّى دون حراك.. رغم كل محاولات الممرضات والمسؤولين عن الدار
(ربما شعر أنه لا يستحق هذه النظرة، ربما هابه منظر عينيّ أمه المغمضتين.. لا أدري حقيقة فعلته لكن لي تصرفات مشابهة بعض الأحيان.. تلك التصرفات اللامنطقية التي يلجأ إليها كثير منا دون مبرر، تلك الأفعال التي تؤلم الروح والجسد على السواء..).
تدفن أمه بهدوء، وتوارى الثرى وهو بعيد عن تراب دفنها يدخن سيكاراً ويشرب القهوة وما زال إصراره على ألا يراها ولا يبكيها..
ثم يرجع “الغريب” إلى مقرّ عمله بعد انتهاء مراسم العزاء، ويعود لمكتبه وأوراقه وعفونته وسماجة مديره في العمل، لم تكن عطلة الأيام الثلاثة التي أخذها ليقوم بواجب العزاء إلا رداءً جديداً يضفي عليه مزيداً من الغموض والحزن غير المبرر…
استمر في حياته كأن شيئاً لم يكن حيث بعده عن أمه في الفترة الماضية جعله يعتبرها في عداد الموتى منذ سنوات، ولم يخسر شيئاً في فقدانها سوى قليلاً من الأمل المتلاشي عنده أصلاً..
- ماري..
أحد أصدقاء “الغريب” يقرر أن يدعوه إلى مزرعة خاصة في الريف، لعلّ ذلك يكون فيه السلوى والنسيان لما حلّ به من مصاب..
“الغريب” وافق على الفور فهو الآخر يشعر بالملل والضجر وقرر أن تكون عطلة نهاية الأسبوع في تلك المزرعة الخاصة..
وبصدفة قدرية ربما، وربما بمشيئة إلهية يلتقي “الغريب” بالأميرة ماري ابنة صاحب المزرعة.. هي أميرة في مملكته على الأقل، وواقعاً هي فتاة جميلة تنحدر من عائلة ثرية.
يزعم أنه أحبها مذ رآها، وهي تبادله نفس المزاعم.. ويزيد ادعاءً ويقول إنها دخلت قلبه خلسة واستحوذت على الشريان الأبهر تحديداً، وصمامُ حياته الآن بيدها..
لكنه واقعاً هو أعجب بصلابة ثدييها، وثقل نهديها اللذين برزا قليلاً من تحت قميصها الأزرق الرقيق.. وواقعاً أيضاً هي تعمّدت فتح أزرار القميص الخمسة الأولى، كانت تحاول جهدها استثارته وإيقاعه في شباك حبها لسبب غير واضح.. ربما كانت عاهرة ووجدت في “الغريب” رقماً يستحق التوقف عنده.. مع أنها لا تبدو عليها علامات العهر أبداً..
لم يكن “الغريب” مصارعاً قوياً لمفاتن ماري، فقد هوى بالضربة القاضية من النظرة الأولى وضاجعها في نفس اليوم، وخلال يومي عطلة نهاية الأسبوع اللذين قضاهما في تلك المزرعة، لم يترك فرصة إلا وذاق بها طعم شفتيها.. ولم تكن ماري لتمانع أو تعارض أبداً بل كانت السبّاقة في التهام شفته السفلى وهي التي بادرت إلى ترطيب لسانه حين قال لها أن الجو حار ويريد أن يشرب قليلاً من الماء.
وبين مديره “الغبي” وفتاته الجميلة كان “الغريب” يكمل تفاصيل حياته اليومية مع زميله في السكن ويشهد يومياً شجار جاره العجوز مع كلبه النتن، دون أن يعير اهتماماً كبيراً لما يدور حوله، ودون سابق إنذار قد يشعر “الغريب” بلحظة سكون اتجاههم جميعاً فلا يبالِ بأي منهم، لدرجة أن مرة سألته حبيبته ماري بعد عناق ساخن (( هل تحبني؟)) ، وكانت تنوي أن تنقض على صدره بعد أن يجيبها بالإيجاب، لكنه ببساطة قال لها (( إن سؤالك ليس له قيمة ! )).
وتتجدّد فصول لامبالاته اللامتناهية حين يعرض عليه مديره في العمل السفر إلى باريس ليكون مسؤولاً عن أحد المشاريع هناك، لكنه لم يتوانى عن رفض العرض معللاً ذلك أنه ليس من الأشخاص الذين يحبون تغيير نمط حياتهم وقال إن باريس مدينة قذرة ! ومليئة بالحمام والساحات السوداء وقشر البيض !
كان “الغريب” دائما يختار الحل الأسهل وليس الأفضل، وأثناء عرض المدير، كان يفكر في ماري وراودته نفسه “أن شعرة في جسد ماري تساوي عنده الدنيا وما فيها”، لكنه أخيراً وافق على السفر شرط أن ترافقه حبيبته الفاتنة، ولم تكن ماري لتمانع أن تكمل بقية عمرها في عاصمة الجمال باريس.
قبيل سفرهما بأيام قرر “الغريب” وماري أن يقضيا عطلة نهاية الأسبوع على أحد شواطئ الجزائر تلبية لدعوة صديق آخر لهما، وكانت فرصة جديدة – حسب نزوة “الغريب”- أن يرى فيها ماري بثياب البحر مجدداً، وكانت مناسبة جيدة لماري كي تعانقه تحت الماء، وعلى الرمل، وفوق الفراش، وتكمل ما لم تستطع فعله في المضاجعات السابقة.
كانت ماري جريئة، وتحبه لدرجة أنها كانت دائما هي المبادرة في تقبيله وفي نزع ثيابه وتمرير يدها بين قدميه، وطلب ممارسة الحب معه مرات ومرات..
وفي ذاك اليوم قررت أيضاً أن تزيد جرعة جرأتها وتطلب منه الزواج في الكنيسة، وهو كعادته “المقرفة” أجابها فقط بأنه “لا يمانع..!”
- جريمة القتل ..
في نفس ذلك اليوم الملتهب بحرارة الشمس، أمضى ما أمضاه مع ماري، ثم تمشى قليلاً مع صديقه صاحب الضيافة والدعوة، إلى أن التقيا بمجموعة من العرب الجزائريين الذين كانوا على عداوة قديمة مع صديق “الغريب”، وبدوا أنهم يريدون شجاراً وبالفعل دارت معركة قصيرة بالأيدي والعصي، لكن الكثرة غلبت الشجاعة ما أدى لإصابة الغريب وصديقه بجراح طفيفة في الرأس والظهر واليدين..
أراد صديق “الغريب” أن ينتقم لنفسه وكان بحوزته مسدساً، لكن “الغريب” سارع إلى أخذه منه لكي لا يرتكب صديقه جريمة في لحظة غضب، وأظهر الغريب في هذا الموقف حكمة وبُعد نظر، وبقي المسدس بحوزته حتى بعد الظهر.. وهدأ الشجار وكلّ ذهب في طريقه..
كانت الشمس قد مالت قليلاً لكنها مع ذلك كانت تفتك بكل من يمر تحتها، وكان العرق يتصبب من جبين “الغريب” الذي كان يسير وحده على الشاطئ يقلب صفحات أفكاره…
لكن القدر الأحمق جعله يتعثر مجدداً بمشاهدة ذاك العربيّ الذي ضرب صديقه، وهذه المرة كان وحده وبحوزته سكيناً كان قد أخرجها لإخافة الغريب ومنعه من الاقتراب أكثر..
لم يكن الغريب ينوي على شر، وفي هذه اللحظة لم يدرك تماماً ما كان يجري، كانت الشمس قد أصابته بشيء من الضجر وألم الرأس وفقدان التوازن.. وحين لمعت السكين على أشعة الشمس الحمراء، أخرج مسدسه كردة فعل أو ربما للإخافة أيضاً..
لكن شيء ما في جسمه أو عقله دفعه لوضع إصبعه على الزناد وتفريغ 5 طلقات في جسد ذاك العربي، فأرداه قتيلاً في الحال.
زُجَ “الغريب” في السجن ريثما ينتهي التحقيق في قضيته التي استمرت أشهراً..
في هذه الأثناء أصبحت السجن بيته الأليف، وزنزانته المنفردة حوت كل تفاصيله الجديدة على صغرها..
كل أمنياته في السجن تلخصت في أن يكون جذع شجرة يابسة يراقب ما ترسمه السماء، وبين الحين والحين كان يتذكر أمه وهي تقول له: ((الأمر ينتهي بالإنسان إلى التعود على كل شيء)).
أمضى شهور السجن الأولى في رسم نسائه اللواتي عاشرهنّ على قلتهنّ، وجعل على الجدار المقابلة رسمة كبيرة لماري بثديين عاريين..
أكثر ما زعجه في السجن هو كثرة النوم إذا كان يمضي 16 ساعة كي يقتل أكبر عدد ممكن من الوقت، وكان في منفردة لا نساء فيها ولا دخان ولا يشاركه وحدته إلا مجموعة كبيرة من الذكريات التي حاول أن يدونها على الجدران كي لا ينساها.. وبين الحين والآخر تمر أمه نسمة خفيفة يتذكرها ويصرّ ألا يبكيها.. وبين النسمة والنسمة تمر ماري ويتذكر جسدها الصلب ورائحتها التي لا تفارق شفتيه..
وهكذا مضت أيام شهوره الستة ويتواتر النور والظلام دون أن يبقى لأسماء الأيام معنى في حياة الغريب..
لم يوكّل الغريب محامٍ وأبدى رغبته في الدفاع عن نفسه، في ظنّ منه أن الحق كفيل أن ينتصر لوحده، لكن المحكمة أصرت على توكيل محام له صار يتردد عليه، ويحاول معرفة التفاصيل التي قد تساعد في تخفيف حكمه قدر الإمكان، وكان الغريب –بلا سبب- يشعر بالأمل بشكل غريب، وأن قضيته ستنتصر وسيخرج براءةً ! رغم اعترافه أنه أطلق النار على العربي لكنه لم يكن بكامل قواه وكانت الشمس قد أخذت مأخذها من سيطرته على نفسه..
تردد عليه المحامي أكثر من عشر مرات قبل جلسة المحاكمة، و طمأنه وقال له أنه يبذل جهده وعلى الغريب أن يساعده في المحكمة..
يوم المحاكمة كان شبيهاً بيوم تنفيذ الجريمة، حاراً وساخناً ومليئاً بالهواء الثقيل والحاضرين من الناس، بعد أن نشرت الصحافة الجزائرية حادثة القتل في الصحف الرسمية، وللحظات شعر “الغريب” بالنشوة أنه صار مشهوراً والجميع يتكلم عنه.. وبدأت عينيه تلاحق الموجودين وتبحث عن ماري إلا أن التقطها بصعوبة بين الواقفين في الصفوف الخلفية تنظر إليه وتبتسم لكنه لم يخطر في باله أن يبادلها ولو ابتسامة واحدة..
بدأت جلسة المحاكمة وكان محام الخصم شرساً للغاية بدأ باستعراض “جرائم الغريب” وطالب منذ البداية بأشد العقوبات التي تطيح برقبة “الغريب”.
- حكم المحكمة ..
وكان محامي الدفاع يتوكل بالرد بين الحين والآخر على ادعاءات خصمه إلى أن انتصف النهار وقرر القاضي أخذ استراحة صغيرة، طمأن خلالها محامي الغريب موكله مجدداً أن القضية تسير لصالحه وأن القاضي متعاطف معه لدرجة كبيرة بعد أن قرأ ملفّه..
في الجلسة الثانية بدأ القاضي يستفسر عن بعض الأمور التي تمس حياة الغريب الشخصية فسأله عن سبب عدم بكائه يوم وفاة أمه، وعن سبب تناوله القهوة ليلة دفنها وأخيراً سأله عن حقيقة علاقته بماري ولماذا أقام معها علاقة غير شرعية، ومضى القاضي ومحامي الخصم بأسئلتهم هذه يريدون إدانته بها، ونسوا أن القضية هي قضية قتل على شاطئ الجزائر وليست تحليل شخصية الغريب الفيزيولوجية والنفسية !.
شعر الغريب بكآبة كبيرة وميل للبكاء” بعد أن أحسّ أن الكون بأسره قد التف حول عنقه يريد حزّها، وكان يريد الكلام لكن الكلام كان أوسع من فمه فلم يخرج منه كلمة واحدة واكتفى بالاستماع إلى المسرحية التي تدور أمامه..
وبعد حوالي الساعتين تحولت ادعاءات المحامي الخصم إلى سخرية من “الغريب” ووصفه بأنه ذو نفس مجرمة تستحق الموت، وأنه قتل العربي بعد تخطيط وإصرار ومثل هذا الإنسان لا يستحق الوجود مع أبناء جلدته وهو أقرب بذلك للحيوان الذي حان موعد القصاص منه..
كانت من الأمور المحببة لـ الغريب أن يستمع الإنسان إلى من يتحدث إليه حتى لو كان ذلك على كرسي الاتهام، لكنه بدأ بالتعب والملل والتعرق، وأرد الخلاص بأي حكم والخروج من هذه المحكمة الحارّة..
اكتفى بقول جملة واحد “الشمس هي سبب ارتكاب الجريمة ” ما جعل الجميع يضحك بصوت عالٍ، حتى القاضي ذاته لم يتمالك نفسه من الضحك..
في هذه اللحظة من الضجيج بضحكات الناس، بدأ ضجيج حبه لماري وأراد أن يكسر هذه الأقفاص الحديدية ويعانق ماري التي كانت تسيل دموعها.. أحسّ أن ذكرياته الآن لم تعد ملكه وأن عليه فعل شيء ما.. وما زال يحاور نفسه إلى أن طرق القاضي بمطرقته لإعلان الحكم..
أعلن القاضي “باسم الشعب الجزائري” الحكم على “مارسو الغريب” بالإعدام شنقاً بالمقصلة في ساحة عامة !.
كان قراراً غير متوقع بالنسبة للغريب وكان هول الصدمة أكبر من أي شي آخر مر في حياته، وفي هذه اللحظة تحديداً مرت أمه بسرعة كبيرة في ذكرياته..
قادوه مجدداً لزنزانته المنفردة، والتي أصبحت أكثر ضيقاً وعتمةً، فهي الآن قبره المؤقت ريثما يحين موعد قطع رأسه في الساحة العامة، وبـ “اسم الشعب الجزائري!”..
صارت أيامه هنا أصعب وأطول وكل صوت يتحرك خارج غرفته يظنه صوت أقدام جلاديه جاؤوا ليقتادوه، صار الخوف هو رفيق أنفاسه، و استحوذت عليه فكرة الموت وهو بهذا العمر، لم يكن مستعداً بعد، وكانت مشاريعه تحتاج لعشر سنوات إضافية على الأقل.. وعلى هذه الحالة صار يغفو على ضجيج أفكاره ويصحو على صراخ كوابيسه..وكل يوم يستعرض شريط حياته لأنها قد تكون المرة الأخيرة التي يفعلها..
ليلة من الليالي التي كان يفكر فيها بطريقة ما يهرب من الموت، غفا بعمق.. ورغم عدم إيمانه بالله والحياة الأخرى إلأ أن خوفه لم يتراجع أبداً من فكرة الموت بحد ذاته…
وقبل الصباح بقليل جاءه حارسان يعملانه أن هذا الصباح هو صباحه الأخير.. لم يفهم بداية ما قصداه وانتابته رجفة أرعدت كل أطرافه وظل متكوراً على نفسه في الزاوية إلا أن سحباه إلى خارج السجن…. لم تكن أقدامه تقوى على رفعه فكانتا خطان الأرض وكانت يديه ملتويتان مثل عنقه وظهره.. وعيناه معصوبتان لن تريا النور بعد الآن..
سيق إلى الساحة العامة ولا يعمل من حواسه سوى أذنيه اللتين تسمعان هتافات هنا وصراخاً هناك، تمنى لو أنه يستنشق شفتا ماري للمرة الأخيرة والموت يدنو منه بخطى واثقة.. وهو يحاول أن ينسى نفسه لكن نفسه لا تنسى..
وضعت رقبته على الخشبه ولعابه يسيل بغزارة وعرقه بلل قميصه والشريط الذي على عينيه..
لم تكن سوى لحظات.. وبعدها فقد الإحساس بكل شيء..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- اقتباسات .. ;)
= ان الإنسان يجد متعة حينما يستمع إلى الناس وهم يتحدثون عنه
حتى ان كان يجلس على مقاعد المتهمين
= انا حين افكر في أحوالي جيدا لا اجد اني تعيس او بائس
ولما كنت طالبا كان عندي كثير من الطموح
ولكن لما قدر لي ان أترك الدراسة أدركت بسرعة ان كل هذا لا ينطوي على أهمية حقيقية
= ان الإنسان لا يغير حياته مطلقاً .. وان جميع انواع الحياة تتساوى على اية حال
= ولكن الجميع يعرفون أن الحياة ليست جديرة بأن تعاش
ولم أكن أجهل في الحقيقة أن الموت في الثلاثين أو في السبعين سيان
= كل الاشخاص العاقلين يتمنون ..إن كثيراً او قليلاً موت هؤلاء الذين يحبونهم
= ما دام ليس عندي شيء مهم اقوله .. فاني افضل التزام الصمت
= ادركت انه اذا عاش رجل يوما واحدا في العالم الطليق فانه بعد ذلك يستطيع ان يعيش في السجن من غير صعوبة مائة عام وان يستعيد فيه من الذكريات ما يتيح له التغلب على مشاعر الضيق والتبرم
= لقد ادركت انه اذا قدر لي أن أعيش داخل جذع شجرة جافة من غير ان يكون
ثمة اي شيء يشغلني سوى النظر الى السماء التي تعلو راسي
فاني حتما كنت سأتعود على ذلك بالتدريج ولإنتظرت مرور الطيور والتقاء السحاب ايضاً
= لم يكن في استطاعتي مطلقا ان اندم على اي شيء
فقد كنت دائما مأخوذا بما سوف يحدث .. بما يمكن ان يقع اليوم او غداً
= خلال كل الحياة التي لا معنى لها التي عشتها
كانت تصعد نحوي نسمات غامضة عبر سنين لم تأت بعد
وكانت هذه النسمات تجعل كل شيء يبدو متساوياً في نظري خلال السنين
التي عشتها والتي لم تكن أكثر واقعية من السنين التي قضيتها في السجن
= ماذا تهم الحياة التي يختارها الإنسان والمصير الذي يريده
اذا كان هناك قد واحد يختاره هو نفسه كما يختار ملايين ملايين من الناس
الذي غمرهم هذا القدر باختياراته
= مشكلته أنه لم يكن متأكدا من أنه حي لأنه يعيش كالميت
كتبه : أبو بكر العمده
إحدى أشهر الروايات عالميًا و المترجمة إلى 40 لغة و الحائزة ع جائزة نوبل
غريب يروي قصته التي تبدأ بغربته عن بلده وثم بموت أمه
“اليوم ماتت أمي، أو ربما ماتت بالأمس.. لست أدري”
______________
المؤلف : ألبير كامو ، فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي-جزائري
التصنيف الموضوعي : فلسفة العبث
تاريخ النشر : 1942
متوسط عدد صفحات الكتاب : 185
متوسط عدد ساعات قراءة : 4 ساعات
متوسط سعر الكتاب ورقي : أصلي 60 ج ، تقليد : 10 جنيه
ملاحظة ، يوجد نسخ pdf مجانا ، متاح ع شبكة البحث ( جوجل )
التقييم الشخصي : 4.8 من 5
________________
- ملخص الرواية .. ;)
- وفاة أمه ..
في مكان ما من سواحل الجزائر العاصمة، في زمان ما بأوائل سنوات القرن الماضي.. رجلٌ اسمه “مارسو” وسأطلق عليه نفس اللقب الذي أطلقه على نفسه..
“الغريب”.. هذا الرجل الذي يشبه الكثيرين
غير مكترث ولا مبال ولا مهتم.. هذه الصفات الأولى الذي تتلقفها عنه فور مقابلته..
ثيابه توحي بأنه شخص متعب، لكنه مع ذلك يجهد في أن يكون مرتباً.. وغالباً لا ينجح، ظاهره يكسوه الشقاء الذي تبدد تحت عينيه، وفي شعره على صغر سنّه، إضافة إلى لحيته التي أطلقها لأن لا يرغب في حلاقتها كل يوم.. يكتفي بتشذيبها كل عشرة أيام..
توفيت والدته التي ترقد في مأوى العجزة منذ سنوات، وتبعد عنه مسير يوم كامل في الحافلة..
تلقّاه خبراً مثل أي خبر يطالعه على قناة تلفزيونية، ربما هول الصدمة أثر على مجاري دموعه فكواها بدل أن يفجرها..
غصّت روحه وقرّر أن يبكيها بدموع كبيرة فور وصوله لجثمانها، وسافر إلى مأوى البؤس ذاك حيث كانت تعيش والدته التي أُرغمت على اللجوء إليه بعد أن اصطكت الحياة بجيوب “الغريب” فلم يعد يستطيع تحمل نفقات الدواء والطعام، وعمله المضني يجبره على الابتعاد عنها أياماً متتالية لذا كان قراره أن تسكن هذا الملجأ، بعد أن أخذ موافقتها.
لحظة وصوله إلى بيت العجزة، سرعان ما انتابته مشاعر غريبة، أحاسيس جلد الذات، والعتاب واللوم لنفسه القاسية، والتلذذ بتعليق دموعه بين جفنيه، لا هي تعود وتغيض، ولا هو يحررها ويتركها تفيض..
أقفل عينيه، ومنعهما من البكاء، كما منعهما من مشاهدة جثمان والدته للمرة الأخيرة!
رفض إلقاء نظرة الوداع على الجسم المسجّى دون حراك.. رغم كل محاولات الممرضات والمسؤولين عن الدار
(ربما شعر أنه لا يستحق هذه النظرة، ربما هابه منظر عينيّ أمه المغمضتين.. لا أدري حقيقة فعلته لكن لي تصرفات مشابهة بعض الأحيان.. تلك التصرفات اللامنطقية التي يلجأ إليها كثير منا دون مبرر، تلك الأفعال التي تؤلم الروح والجسد على السواء..).
تدفن أمه بهدوء، وتوارى الثرى وهو بعيد عن تراب دفنها يدخن سيكاراً ويشرب القهوة وما زال إصراره على ألا يراها ولا يبكيها..
ثم يرجع “الغريب” إلى مقرّ عمله بعد انتهاء مراسم العزاء، ويعود لمكتبه وأوراقه وعفونته وسماجة مديره في العمل، لم تكن عطلة الأيام الثلاثة التي أخذها ليقوم بواجب العزاء إلا رداءً جديداً يضفي عليه مزيداً من الغموض والحزن غير المبرر…
استمر في حياته كأن شيئاً لم يكن حيث بعده عن أمه في الفترة الماضية جعله يعتبرها في عداد الموتى منذ سنوات، ولم يخسر شيئاً في فقدانها سوى قليلاً من الأمل المتلاشي عنده أصلاً..
- ماري..
أحد أصدقاء “الغريب” يقرر أن يدعوه إلى مزرعة خاصة في الريف، لعلّ ذلك يكون فيه السلوى والنسيان لما حلّ به من مصاب..
“الغريب” وافق على الفور فهو الآخر يشعر بالملل والضجر وقرر أن تكون عطلة نهاية الأسبوع في تلك المزرعة الخاصة..
وبصدفة قدرية ربما، وربما بمشيئة إلهية يلتقي “الغريب” بالأميرة ماري ابنة صاحب المزرعة.. هي أميرة في مملكته على الأقل، وواقعاً هي فتاة جميلة تنحدر من عائلة ثرية.
يزعم أنه أحبها مذ رآها، وهي تبادله نفس المزاعم.. ويزيد ادعاءً ويقول إنها دخلت قلبه خلسة واستحوذت على الشريان الأبهر تحديداً، وصمامُ حياته الآن بيدها..
لكنه واقعاً هو أعجب بصلابة ثدييها، وثقل نهديها اللذين برزا قليلاً من تحت قميصها الأزرق الرقيق.. وواقعاً أيضاً هي تعمّدت فتح أزرار القميص الخمسة الأولى، كانت تحاول جهدها استثارته وإيقاعه في شباك حبها لسبب غير واضح.. ربما كانت عاهرة ووجدت في “الغريب” رقماً يستحق التوقف عنده.. مع أنها لا تبدو عليها علامات العهر أبداً..
لم يكن “الغريب” مصارعاً قوياً لمفاتن ماري، فقد هوى بالضربة القاضية من النظرة الأولى وضاجعها في نفس اليوم، وخلال يومي عطلة نهاية الأسبوع اللذين قضاهما في تلك المزرعة، لم يترك فرصة إلا وذاق بها طعم شفتيها.. ولم تكن ماري لتمانع أو تعارض أبداً بل كانت السبّاقة في التهام شفته السفلى وهي التي بادرت إلى ترطيب لسانه حين قال لها أن الجو حار ويريد أن يشرب قليلاً من الماء.
وبين مديره “الغبي” وفتاته الجميلة كان “الغريب” يكمل تفاصيل حياته اليومية مع زميله في السكن ويشهد يومياً شجار جاره العجوز مع كلبه النتن، دون أن يعير اهتماماً كبيراً لما يدور حوله، ودون سابق إنذار قد يشعر “الغريب” بلحظة سكون اتجاههم جميعاً فلا يبالِ بأي منهم، لدرجة أن مرة سألته حبيبته ماري بعد عناق ساخن (( هل تحبني؟)) ، وكانت تنوي أن تنقض على صدره بعد أن يجيبها بالإيجاب، لكنه ببساطة قال لها (( إن سؤالك ليس له قيمة ! )).
وتتجدّد فصول لامبالاته اللامتناهية حين يعرض عليه مديره في العمل السفر إلى باريس ليكون مسؤولاً عن أحد المشاريع هناك، لكنه لم يتوانى عن رفض العرض معللاً ذلك أنه ليس من الأشخاص الذين يحبون تغيير نمط حياتهم وقال إن باريس مدينة قذرة ! ومليئة بالحمام والساحات السوداء وقشر البيض !
كان “الغريب” دائما يختار الحل الأسهل وليس الأفضل، وأثناء عرض المدير، كان يفكر في ماري وراودته نفسه “أن شعرة في جسد ماري تساوي عنده الدنيا وما فيها”، لكنه أخيراً وافق على السفر شرط أن ترافقه حبيبته الفاتنة، ولم تكن ماري لتمانع أن تكمل بقية عمرها في عاصمة الجمال باريس.
قبيل سفرهما بأيام قرر “الغريب” وماري أن يقضيا عطلة نهاية الأسبوع على أحد شواطئ الجزائر تلبية لدعوة صديق آخر لهما، وكانت فرصة جديدة – حسب نزوة “الغريب”- أن يرى فيها ماري بثياب البحر مجدداً، وكانت مناسبة جيدة لماري كي تعانقه تحت الماء، وعلى الرمل، وفوق الفراش، وتكمل ما لم تستطع فعله في المضاجعات السابقة.
كانت ماري جريئة، وتحبه لدرجة أنها كانت دائما هي المبادرة في تقبيله وفي نزع ثيابه وتمرير يدها بين قدميه، وطلب ممارسة الحب معه مرات ومرات..
وفي ذاك اليوم قررت أيضاً أن تزيد جرعة جرأتها وتطلب منه الزواج في الكنيسة، وهو كعادته “المقرفة” أجابها فقط بأنه “لا يمانع..!”
- جريمة القتل ..
في نفس ذلك اليوم الملتهب بحرارة الشمس، أمضى ما أمضاه مع ماري، ثم تمشى قليلاً مع صديقه صاحب الضيافة والدعوة، إلى أن التقيا بمجموعة من العرب الجزائريين الذين كانوا على عداوة قديمة مع صديق “الغريب”، وبدوا أنهم يريدون شجاراً وبالفعل دارت معركة قصيرة بالأيدي والعصي، لكن الكثرة غلبت الشجاعة ما أدى لإصابة الغريب وصديقه بجراح طفيفة في الرأس والظهر واليدين..
أراد صديق “الغريب” أن ينتقم لنفسه وكان بحوزته مسدساً، لكن “الغريب” سارع إلى أخذه منه لكي لا يرتكب صديقه جريمة في لحظة غضب، وأظهر الغريب في هذا الموقف حكمة وبُعد نظر، وبقي المسدس بحوزته حتى بعد الظهر.. وهدأ الشجار وكلّ ذهب في طريقه..
كانت الشمس قد مالت قليلاً لكنها مع ذلك كانت تفتك بكل من يمر تحتها، وكان العرق يتصبب من جبين “الغريب” الذي كان يسير وحده على الشاطئ يقلب صفحات أفكاره…
لكن القدر الأحمق جعله يتعثر مجدداً بمشاهدة ذاك العربيّ الذي ضرب صديقه، وهذه المرة كان وحده وبحوزته سكيناً كان قد أخرجها لإخافة الغريب ومنعه من الاقتراب أكثر..
لم يكن الغريب ينوي على شر، وفي هذه اللحظة لم يدرك تماماً ما كان يجري، كانت الشمس قد أصابته بشيء من الضجر وألم الرأس وفقدان التوازن.. وحين لمعت السكين على أشعة الشمس الحمراء، أخرج مسدسه كردة فعل أو ربما للإخافة أيضاً..
لكن شيء ما في جسمه أو عقله دفعه لوضع إصبعه على الزناد وتفريغ 5 طلقات في جسد ذاك العربي، فأرداه قتيلاً في الحال.
زُجَ “الغريب” في السجن ريثما ينتهي التحقيق في قضيته التي استمرت أشهراً..
في هذه الأثناء أصبحت السجن بيته الأليف، وزنزانته المنفردة حوت كل تفاصيله الجديدة على صغرها..
كل أمنياته في السجن تلخصت في أن يكون جذع شجرة يابسة يراقب ما ترسمه السماء، وبين الحين والحين كان يتذكر أمه وهي تقول له: ((الأمر ينتهي بالإنسان إلى التعود على كل شيء)).
أمضى شهور السجن الأولى في رسم نسائه اللواتي عاشرهنّ على قلتهنّ، وجعل على الجدار المقابلة رسمة كبيرة لماري بثديين عاريين..
أكثر ما زعجه في السجن هو كثرة النوم إذا كان يمضي 16 ساعة كي يقتل أكبر عدد ممكن من الوقت، وكان في منفردة لا نساء فيها ولا دخان ولا يشاركه وحدته إلا مجموعة كبيرة من الذكريات التي حاول أن يدونها على الجدران كي لا ينساها.. وبين الحين والآخر تمر أمه نسمة خفيفة يتذكرها ويصرّ ألا يبكيها.. وبين النسمة والنسمة تمر ماري ويتذكر جسدها الصلب ورائحتها التي لا تفارق شفتيه..
وهكذا مضت أيام شهوره الستة ويتواتر النور والظلام دون أن يبقى لأسماء الأيام معنى في حياة الغريب..
لم يوكّل الغريب محامٍ وأبدى رغبته في الدفاع عن نفسه، في ظنّ منه أن الحق كفيل أن ينتصر لوحده، لكن المحكمة أصرت على توكيل محام له صار يتردد عليه، ويحاول معرفة التفاصيل التي قد تساعد في تخفيف حكمه قدر الإمكان، وكان الغريب –بلا سبب- يشعر بالأمل بشكل غريب، وأن قضيته ستنتصر وسيخرج براءةً ! رغم اعترافه أنه أطلق النار على العربي لكنه لم يكن بكامل قواه وكانت الشمس قد أخذت مأخذها من سيطرته على نفسه..
تردد عليه المحامي أكثر من عشر مرات قبل جلسة المحاكمة، و طمأنه وقال له أنه يبذل جهده وعلى الغريب أن يساعده في المحكمة..
يوم المحاكمة كان شبيهاً بيوم تنفيذ الجريمة، حاراً وساخناً ومليئاً بالهواء الثقيل والحاضرين من الناس، بعد أن نشرت الصحافة الجزائرية حادثة القتل في الصحف الرسمية، وللحظات شعر “الغريب” بالنشوة أنه صار مشهوراً والجميع يتكلم عنه.. وبدأت عينيه تلاحق الموجودين وتبحث عن ماري إلا أن التقطها بصعوبة بين الواقفين في الصفوف الخلفية تنظر إليه وتبتسم لكنه لم يخطر في باله أن يبادلها ولو ابتسامة واحدة..
بدأت جلسة المحاكمة وكان محام الخصم شرساً للغاية بدأ باستعراض “جرائم الغريب” وطالب منذ البداية بأشد العقوبات التي تطيح برقبة “الغريب”.
- حكم المحكمة ..
وكان محامي الدفاع يتوكل بالرد بين الحين والآخر على ادعاءات خصمه إلى أن انتصف النهار وقرر القاضي أخذ استراحة صغيرة، طمأن خلالها محامي الغريب موكله مجدداً أن القضية تسير لصالحه وأن القاضي متعاطف معه لدرجة كبيرة بعد أن قرأ ملفّه..
في الجلسة الثانية بدأ القاضي يستفسر عن بعض الأمور التي تمس حياة الغريب الشخصية فسأله عن سبب عدم بكائه يوم وفاة أمه، وعن سبب تناوله القهوة ليلة دفنها وأخيراً سأله عن حقيقة علاقته بماري ولماذا أقام معها علاقة غير شرعية، ومضى القاضي ومحامي الخصم بأسئلتهم هذه يريدون إدانته بها، ونسوا أن القضية هي قضية قتل على شاطئ الجزائر وليست تحليل شخصية الغريب الفيزيولوجية والنفسية !.
شعر الغريب بكآبة كبيرة وميل للبكاء” بعد أن أحسّ أن الكون بأسره قد التف حول عنقه يريد حزّها، وكان يريد الكلام لكن الكلام كان أوسع من فمه فلم يخرج منه كلمة واحدة واكتفى بالاستماع إلى المسرحية التي تدور أمامه..
وبعد حوالي الساعتين تحولت ادعاءات المحامي الخصم إلى سخرية من “الغريب” ووصفه بأنه ذو نفس مجرمة تستحق الموت، وأنه قتل العربي بعد تخطيط وإصرار ومثل هذا الإنسان لا يستحق الوجود مع أبناء جلدته وهو أقرب بذلك للحيوان الذي حان موعد القصاص منه..
كانت من الأمور المحببة لـ الغريب أن يستمع الإنسان إلى من يتحدث إليه حتى لو كان ذلك على كرسي الاتهام، لكنه بدأ بالتعب والملل والتعرق، وأرد الخلاص بأي حكم والخروج من هذه المحكمة الحارّة..
اكتفى بقول جملة واحد “الشمس هي سبب ارتكاب الجريمة ” ما جعل الجميع يضحك بصوت عالٍ، حتى القاضي ذاته لم يتمالك نفسه من الضحك..
في هذه اللحظة من الضجيج بضحكات الناس، بدأ ضجيج حبه لماري وأراد أن يكسر هذه الأقفاص الحديدية ويعانق ماري التي كانت تسيل دموعها.. أحسّ أن ذكرياته الآن لم تعد ملكه وأن عليه فعل شيء ما.. وما زال يحاور نفسه إلى أن طرق القاضي بمطرقته لإعلان الحكم..
أعلن القاضي “باسم الشعب الجزائري” الحكم على “مارسو الغريب” بالإعدام شنقاً بالمقصلة في ساحة عامة !.
كان قراراً غير متوقع بالنسبة للغريب وكان هول الصدمة أكبر من أي شي آخر مر في حياته، وفي هذه اللحظة تحديداً مرت أمه بسرعة كبيرة في ذكرياته..
قادوه مجدداً لزنزانته المنفردة، والتي أصبحت أكثر ضيقاً وعتمةً، فهي الآن قبره المؤقت ريثما يحين موعد قطع رأسه في الساحة العامة، وبـ “اسم الشعب الجزائري!”..
صارت أيامه هنا أصعب وأطول وكل صوت يتحرك خارج غرفته يظنه صوت أقدام جلاديه جاؤوا ليقتادوه، صار الخوف هو رفيق أنفاسه، و استحوذت عليه فكرة الموت وهو بهذا العمر، لم يكن مستعداً بعد، وكانت مشاريعه تحتاج لعشر سنوات إضافية على الأقل.. وعلى هذه الحالة صار يغفو على ضجيج أفكاره ويصحو على صراخ كوابيسه..وكل يوم يستعرض شريط حياته لأنها قد تكون المرة الأخيرة التي يفعلها..
ليلة من الليالي التي كان يفكر فيها بطريقة ما يهرب من الموت، غفا بعمق.. ورغم عدم إيمانه بالله والحياة الأخرى إلأ أن خوفه لم يتراجع أبداً من فكرة الموت بحد ذاته…
وقبل الصباح بقليل جاءه حارسان يعملانه أن هذا الصباح هو صباحه الأخير.. لم يفهم بداية ما قصداه وانتابته رجفة أرعدت كل أطرافه وظل متكوراً على نفسه في الزاوية إلا أن سحباه إلى خارج السجن…. لم تكن أقدامه تقوى على رفعه فكانتا خطان الأرض وكانت يديه ملتويتان مثل عنقه وظهره.. وعيناه معصوبتان لن تريا النور بعد الآن..
سيق إلى الساحة العامة ولا يعمل من حواسه سوى أذنيه اللتين تسمعان هتافات هنا وصراخاً هناك، تمنى لو أنه يستنشق شفتا ماري للمرة الأخيرة والموت يدنو منه بخطى واثقة.. وهو يحاول أن ينسى نفسه لكن نفسه لا تنسى..
وضعت رقبته على الخشبه ولعابه يسيل بغزارة وعرقه بلل قميصه والشريط الذي على عينيه..
لم تكن سوى لحظات.. وبعدها فقد الإحساس بكل شيء..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- اقتباسات .. ;)
= ان الإنسان يجد متعة حينما يستمع إلى الناس وهم يتحدثون عنه
حتى ان كان يجلس على مقاعد المتهمين
= انا حين افكر في أحوالي جيدا لا اجد اني تعيس او بائس
ولما كنت طالبا كان عندي كثير من الطموح
ولكن لما قدر لي ان أترك الدراسة أدركت بسرعة ان كل هذا لا ينطوي على أهمية حقيقية
= ان الإنسان لا يغير حياته مطلقاً .. وان جميع انواع الحياة تتساوى على اية حال
= ولكن الجميع يعرفون أن الحياة ليست جديرة بأن تعاش
ولم أكن أجهل في الحقيقة أن الموت في الثلاثين أو في السبعين سيان
= كل الاشخاص العاقلين يتمنون ..إن كثيراً او قليلاً موت هؤلاء الذين يحبونهم
= ما دام ليس عندي شيء مهم اقوله .. فاني افضل التزام الصمت
= ادركت انه اذا عاش رجل يوما واحدا في العالم الطليق فانه بعد ذلك يستطيع ان يعيش في السجن من غير صعوبة مائة عام وان يستعيد فيه من الذكريات ما يتيح له التغلب على مشاعر الضيق والتبرم
= لقد ادركت انه اذا قدر لي أن أعيش داخل جذع شجرة جافة من غير ان يكون
ثمة اي شيء يشغلني سوى النظر الى السماء التي تعلو راسي
فاني حتما كنت سأتعود على ذلك بالتدريج ولإنتظرت مرور الطيور والتقاء السحاب ايضاً
= لم يكن في استطاعتي مطلقا ان اندم على اي شيء
فقد كنت دائما مأخوذا بما سوف يحدث .. بما يمكن ان يقع اليوم او غداً
= خلال كل الحياة التي لا معنى لها التي عشتها
كانت تصعد نحوي نسمات غامضة عبر سنين لم تأت بعد
وكانت هذه النسمات تجعل كل شيء يبدو متساوياً في نظري خلال السنين
التي عشتها والتي لم تكن أكثر واقعية من السنين التي قضيتها في السجن
= ماذا تهم الحياة التي يختارها الإنسان والمصير الذي يريده
اذا كان هناك قد واحد يختاره هو نفسه كما يختار ملايين ملايين من الناس
الذي غمرهم هذا القدر باختياراته
= مشكلته أنه لم يكن متأكدا من أنه حي لأنه يعيش كالميت
كتبه : أبو بكر العمده